فصل: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: {إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



من الإعجاز العلمى في القرآن: للدكتور زغلول النجار:
بحث بعنوان: من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: {إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد}:

بقلم: د. زغلول.
هاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في آخر الربع الأول من سورة الفجر، وهي سورة مكية، يدور محورها الرئيسي حول قضية البعث بعد الموت، وهي من القضايا الأساسية في العقيدة الإسلامية.
وتبدأ السورة الكريمة بقسم من الله تعالى بالفجر، وهو يمثل الفترة الزمنية التي يبزغ فيها أول خيط من الشفق الصباحي على جزء من سطح الأرض فيعمل ذلك على محو ظلمة الليل بالتدريج حتى شروق الشمس، ويبدأ ذلك بوضع الجزء من الأرض الذي يبزغ عليه الفجر في وضع تبدو الشمس منه وكأنها على بعد 18، 5 درجة تحت الأفق، وتظل ترتفع في حركتها الظاهرية حول الأرض، والتي تتم بدوران الأرض حول محورها أمام الشمس حتى ظهور حافة الشمس العليا عند الأفق فتشرق الشمس. والفجر الصادق يمثل أول النهار من الناحية الشرعية.
وظاهرة الفجر تدور مع الأرض في دورتها اليومية حول محورها أمام الشمس، فتنتقل من منطقة إلى أخرى بانتظام حتى تمسح سطح الأرض كله بالتدريج، وهي ظاهرة تصاحب بقدر من الصفاء البيئي والنقاء لا تساويها فترة أخرى من فترات اليوم في ذلك فتتميز بالنداوة، والرقة والهدوء، وبانعكاس ذلك كله على مختلف أنواع الخلائق، وربما كان ذلك وغيره من مبررات هذا القسم الإلهي بالفجر، والله تعالى غني عن القسم لعباده، والمقصود من ورود الآية القرآنية بصيغة القسم هو تنبيهنا إلى أهمية الأمر الذي جاء به القسم.
ويلي القسم بـ: {الفجر} قسم ثان بـ: {ليال عشر} وقد قيل فيها أنها الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، ومن ضمنها ليلة القدر التي وصفها الحق تبارك وتعالى بأنها خير من ألف شهر، ويأتي في مقابلتها الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، وفيها يوم عرفة الذي وصفه المصطفي صلى الله عليه وسلم بأنه أفضل يوم عند الله، ووصف العشر من ذي الحجة بأنه ما من أيام بأفضل منها عند الله.
ثم يأتي قسم ثالث بـ: {الشفع والوتر} وفيه قيل أن المقصود بذلك الصلاة، ومنها الشفع كالصلاة الثنائية والرباعية، ومنها الوتر كالمغرب وختام الصلاة في آخر الليل.
ويلي ذلك قسم رابع بـ: {الليل إذا يسر} وأصل السري هو السير بالليل، وإسناد ذلك إلى الليل قيل فيه أنه مجاز بمعني يسري فيه (وحذفت ياؤه في الآية الكريمة وصلا ووقفا)، وقيل إنه ليس بمجاز، وذلك لتعاقب كل من الليل والنهار على سطح الأرض بفعل دوران الأرض حول محورها أمام الشمس حتى يخرج نصفها المظلم من انطباق ظلمة السماء على ظلمة الأرض وذلك بدخول طبقة نور النهار بينهما، وانتقال ظلمة ليل الأرض إلى جزء آخر منها كان يعمه نور النهار، ولا يخفي على عاقل فوائد تعاقب كل من الليل والنهار على سطح الأرض، وعلى الحياة الأرضية.
وبعد القسم بهذه الآيات الخمس، وبما لها من قيمة في انتظام حركة الحياة تتساءل سورة الفجر: {هل في ذلك قسم لذي حجر} أي لذي لب وعقل وبصيرة؟
وجواب القسم محذوف وتقديره: ليعذبن الله تعالى كل كافر ومشرك ومنكر للبعث، وكل مفسد في الأرض، وكل متجبر على الخلق.. ودلالة ذلك هو سرعة الاستشهاد بمصارع عدد من الأمم البائدة من مثل أقوام عاد وثمود وفرعون، وقد أشارت الآيات إلى صفة لازمت كل أمة منهم، وألمحت إلى شيء من تجبرهم وطغيانهم وإفسادهم، وذكرت كيف صب الله تعالى على كل منهم عذابه صبا، جزاء ما اقترفوه من آثام.. وأكدت أن الله تعالى قائم دوما بالمرصاد لكل متجبر على الخلق وكل مفسد في الأرض وأن سنة الله واحدة في أخذ الطغاة المفسدين في كل زمان ومكان بأقسي أنواع العقاب، وأشد ألوان العذاب..!!
وبعد أن جمعت الآيات في سورة الفجر مصارع عدد من عتاة المفسدين في الأرض، وأكدت أن الله تعالى لهم ولأمثالهم دوما بالمرصاد، انتقلت بالحديث إلى شيء من طبائع النفس الإنسانية أمام قضية بسط الرزق وقبضه، وما فيها من ابتلاء للعباد، فالصالح يشكر النعمة، ويصبر على المحنة، وغير ذلك تبطره النعمة التي يراها تكريما لشخصه، وتضجره المحنة التي يراها إهانة لكرامته، وترد الآيات بأن إنسانا هذا شأنه مخلوق أناني لا يفكر إلا في ذاته، قد جبلت نفسه على عدم الاكتراث بإكرام اليتيم، ولا بالتحاض على إطعام المسكين، وبالنهم الشديد في اقتسام الميراث، وبالحب الجم للمال، ثم تذكر الآيات فورا بالآخرة وما فيها من أهوال حين تدك الأرض دكا دكا، كناية عن تدمير الكون كله، ثم بعثه وبعث كافة الخلائق فيعرضون أمام ربهم (لا تخفي منهم خافية) والملائكة وقوف صفا صفا بين يدي الله تعالى ثم يؤتي بجهنم في هذا الموقف العصيب الذي يتقرر فيه مصير كل واحد من الخلق، وحينئذ يتذكر الإنسان ما فرط فيه من حياته الدنيا حين لا يفيد التذكر بشيء، ويتمني لو أنه كان قد قدم شيئا لهذا الموقف الرهيب..!!
وتصف الآيات جانبا من عذاب الكفار والمشركين في ذلك اليوم العصيب الذي يقول فيه الحق تبارك وتعالى: {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد}
بينما يسمع نداء الحق سبحانه وتعالى على كل نفس طيبة بقوله عز من قائل: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} (الفجر: 27- 30).
والإعجاز في سورة الفجر يشمل فيما يشمل القسم بخمس من آيات الله لم تكن أهميتها معروفة في زمن الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده، بالإضافة إلى وصف شيء من دخائل النفس الإنسانية، ووصف عدد من المظاهر والأحداث المصاحبة للآخرة، وهي من الغيوب المطلقة التي لا سبيل أمام الإنسان لمعرفة شيء عنها إلا من خلال وحي السماء.
أما الأعجاز التاريخي في هذه السورة المباركة فهو أبلغ جوانب الإعجاز فيها لاشتماله على ذكر ثلاثة من طواغيت التاريخ القديم هم قوم عاد، ومدينتهم {إرم ذات العماد}، وقوم ثمود الذين وصفتهم الآيات الكريمة بأنهم هم.. {الذين جابوا الصخر بالواد}، {وفرعون ذي الأوتاد} وهذه الأمم كانت قد بادت قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمئات السنين، ولم تكن الامة العربية أمة تدوين وتوثيق، هذا فضلا عن بعد أراضي تلك الأمم البائدة عن مكة المكرمة بمئات بل بعشرات المئات من الكيلومترات في زمن لم تكن وسائل المواصلات ميسرة:
وذكر قوم عاد في القرآن الكريم يعتبر أكثر إنبائه بأخبار الأمم البائدة إعجازا، وذلك لأن هذه الأمة قد أبيدت إبادة كاملة بعاصفة رملية غير عادية.. طمرتهم وردمت آثارهم حتى أخفت كل أثر لهم من على وجه الأرض، وبسبب ذلك أنكرت الغالبية العظمي من الأثريين والمؤرخين وجود قوم عاد، واعتبروا ذكرهم في القرآن الكريم من قبيل القصص الرمزي لاستخلاص العبر والدروس، بل تطاول بعض الكتاب فاعتبروهم من الأساطير التي لا أصل لها في التاريخ، ثم جاءت الكشوف الأثرية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين بالكشف عن مدينة إرم وإثبات صدق القرآن الكريم في كل ما جاء به عن قوم عاد.
وانطلاقا من ذلك فسوف أقصر حديثي هنا على هذا الكشف الأثري المثير الذي سبق وأن سجلته سورة الفجر في الآيات (6- 8) من قبل ألف وأربعمائة من السنين، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على حقيقة أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه لنا بنفس لغة وحيه التي أوحي بها (اللغة العربية) فظل محتفظا بصياغته الربانية، وإشراقاته النورانية، وبصدق كل حرف وكلمة وإشارة فيه.
وقبل البدء في الحديث عن {إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد} لابد من استعراض سريع لقوم عاد في القرآن الكريم، ولشرح عدد من كبار المفسرين القدامى والمعاصرين لهذه الآيات القرآنية الثلاث.

.قوم عاد في القرآن الكريم:

جاء ذكر قوم عاد في سورتين من سور القرآن الكريم سميت إحداهما باسم نبيهم هود عليه السلام وسميت الأخرى باسم موطنهم الأحقاف، وفي عشرات الآيات القرآنية الأخرى التي تضمها ثماني عشرة سورة من سور القرآن الكريم جاء ذكرهم أيضًا ونختار منها ما يلي:
(1) {وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم أعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين}
(الأعراف: 65-72).
(2) {كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (الشعراء: 123-140).
(3) {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزي وهم لا ينصرون} (فصلت: 13-16).
(4) {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يري إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغني عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} (الأحقاف: 21-26).
(5) {كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} (القمر: 18-22).
(6) {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعي كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل تري لهم من باقية} (الحاقة: 6-8).
(7) {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد} (الفجر: 6-8).
وفي غير هذه الآيات جاء ذكر قوم عاد في كل من سورة التوبة (70)، (هود: 50-60)، إبراهيم (9)، الحج (42)، ص (12)، غافر (31)، ق (13)، الذاريات (41)، الفرقان (38)، العنكبوت (38)، والنجم (50).

.من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد} [الفجر: 6-8]:

* ذكر ابن كثير رحمه الله ما نصه: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد}؟ وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين، خارجين عن طاعته مكذبين لرسله، فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم، وجعلهم أحاديث وعبرا فقال: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد}؟ وهؤلاء (عادا الأولى) وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا عليه السلام فكذبوه وخالفوه، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم وأهلكهم {بريح صرصر عاتية}، وقد ذكر الله قصتهم في القرآن، ليعتبر بمصرعهم المؤمنون، فقوله تعالى: {إرم ذات العماد} عطف بيان زيادة تعريف بهم، وقوله تعالى: {ذات العماد} لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد، وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشا، ولهذا ذكرهم (هود) بتلك النعمة، وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم فقال: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون}.
وقال تعالى: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} وقال ههنا: {التي لم يخلق مثلها في البلاد} أي القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم، وقال مجاهد: إرم أمة قديمة يعني عادا الأولي، قال قتادة والسدي: إن إرم بيت مملكة عاد، وكانوا أهل عمد لا يقيمون، وقال ابن عباس: إنما قيل لهم ذات العماد لطولهم، واختار الأول ابن جرير، وقوله تعالى: {التي لم يخلق مثلها في البلاد} الضمير يعود على القبيلة، أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في البلاد يعني في زمانهم....، وسواء كانت العماد أبنية بنوها، أو أعمدة بيوتهم للبدو، أو سلاحهم يقاتلون به، أو طول الواحد منهم، فهم قبيلة وأمة من الأمم، وهم المذكورون في القرآن في غير ما موضع، المقرونون بثمود كما هاهنا، والله أعلم.....
* وجاء في تفسير الجلالين (رحم الله كاتبيه) ما نصه: {ألم تر} ألم تعلم يا محمد {كيف فعل ربك بعاد} قوم هود عليه السلام. {إرم} هي: عاد الأولي، فـ إرم عطف بيان أو: بدل، ومنع الصرف للعلمية والتأنيث {ذات العماد} أي: ذات الأبنية المرفوعة على العمد، أو البناء المرتفع، ففي الصحاح والعماد: الأبنية المرتفعة، وقيل: ذات الطول..
{التي لم يخلق مثلها في البلاد} في بطشهم وقوتهم..
* وذكر صاحب الظلال (رحمه الله رحمة واسعة) ما نصه:.....(عاد إرم) وهي عاد الأولي، وقيل: إنها من العرب العاربة أو البائدة، وكان مسكنهم بالأحقاف وهي كثبان الرمال في جنوب الجزيرة بين حضرموت واليمن، وكانوا بدوا ذوي خيام تقوم على عماد، وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش، فقد كانت قبيلة عاد هي أقوي قبيلة في وقتها وأميزها {التي لم يخلق مثلها في البلاد} في ذلك الأوان..
* وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن (رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) ما نصه:..... وعاد هو: عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، سمي أولاده باسمه.... وقيل لأوائلهم- وهم الذين أرسل إليهم هود عليه السلام- عاد الأولي تسمية لهم باسم أبيهم، و{إرم} تسمية لهم باسم جدهم... وقيل لمن بعدهم عاد الآخرة، و{إرم} بدل أو عطف بيان لـ: (عاد)....
وقيل: إن {إرم} قبيلة من (عاد) وهي بيت ملكهم، فهي بدل من (عاد)، بدل بعض من كل. {ذات العماد} صفة لقبيلة {إرم} أي ذات الأعمدة التي ترفع عليها بيوت الشعر، إذ كانوا أهل خيام وعمد ينتجعون الغيوث ويطلبون الكلأ حيث كان، ثم يعودون إلى منازلهم، وقيل: ذات الرفعة والعزة، {لم يخلق مثلها..} صفة أخرى لها، أي لم يخلق في بلادهم مثلها في الأيد والشدة وعظم الأجسام....
* وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم جزي الله كاتبيه خيرا ما نصه: ألم تعلم كيف انزل ربك عقابه بعاد قوم هود، أهل إرم ذات البناء الرفيع، التي لم يخلق مثلها في البلاد متانة وضخامة بناء...
* وذكر صاحب صفوة التفاسير (جزاه الله خيرا) ما نصه:.... أي ألم يبلغك يا محمد ويصل إلى علمك ماذا فعل الله بعاد قوم هود؟ {إرم ذات العماد} أي عادا الأولي أهل إرم ذات البناء الرفيع، الذين كانوا يسكنون بالأحقاف بين عمان وحضرموت {التي لم يخلق مثلها في البلاد} أي تلك القبيلة التي لم يخلق الله مثلهم في قوتهم، وشدتهم، وضخامة أجسامهم....
ارم ذات العماد في التراث الإسلامي:
في تفسير ما جاء عن (قوم عاد) في القرآن الكريم نشطت أعداد من المفسرين والجغرافيين والمؤرخين وعلماء الأنساب المسلمين، من أمثال الطبري، والسيوطي، والقزويني والهمداني وياقوت الحموي، والمسعودي في الكشف عن حقيقة هؤلاء القوم فذكروا أنهم كانوا من (العرب البائدة) وهو تعبير يضم كثيرا من الأمم التي اندثرت قبل بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم بمئات السنين، ومنهم قوم عاد، وثمود، والوبر وغيرهم كثير، وعلموا من آيات القرآن الكريم ان مساكن قوم عاد كانت بالأحقاف (جمع حقف أي: الرمل المائل)، وهي جزء من جنوب شرقي الربع الخالي بين حضرموت جنوبا، ومعظم الربع الخالي شمالا، وعمان شرقا، كما علموا من القرآن الكريم ان نبيهم كان سيدنا هود عليه السلام، وأنه بعد هلاك الكافرين من قومه سكن نبي الله هود أرض حضرموت حتى مات ودفن فيها قرب (وادي برهوت) إلى الشرق من مدينة تريم.
أما عن {إرم ذات العماد} فقد ذكر كل من الهمداني (المتوفي سنة 334 هـ:946 م) وياقوت الحموي (المتوفي سنة 627 هـ:1229 م) أنها كانت من بناء شداد بن عاد واندرست (أي: طمرت بالرمال) فهي لا تعرف الآن، وإن ثارت من حولها الأساطير.